"الوجه الاخر لفيروس كورونا"
الكثير تحدث عن الآثار السلبية لفيروس كورونا من الناحية الصحية والاقتصادية، ولكن لم يتطرق أحد تقريباً للآثار السلبية للفيروس على الناحية الاجتماعية، فالمفاجأة التي قد لا يتصورها البعض هي أن كورونا أدى لزيادة نسب الطلاق في كافة دول العالم، فالكثير من الاحصائيات أكدت أن الحجر المنزلي الذي فرض حول العالم للحد من انتشار الفيروس ، أدى لزيادة الخلافات الزوجية والعنف الأسري، مما كان له أثر بالغ على الطلاق، ناهيك عن انخفاض معدل الزواج بشكل ملحوظ.
إن الإغلاق والحجر الذي فرض حول العالم كان اختبارًا قوياً للكثير من العلاقات الزوجية، فقضاء الأزواج فترات طويلة في المنزل بصوة أكبر من المعتاد، أدى إلى ظهور الكثير من المشاكل الزوجية، وبالتالي الوصول إلى الطلاق، ففيروس كورونا لم يكن مميتاً فقط للبشر، بل كان مميتاً للكثير من العلاقات الزوجية .
وفقاً للإحصائيات فقد زادت نسبة الطلاق في بريطانيا خلال العام الماضي بنسبة وصلت لـ 23 ٪ وتعد هذه الزيادة في معدلات الطلاق في المملكة المتحدة هي الأكبر منذ بداية تسجيل أرقام حالات الطلاق للمرة الأولي في منتصف القرن التاسع عشر.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد ارتفع معدل الطلاق بنسبة 34 ٪ خلال جائحة كورونا، ووفقاً للبيانات التي رصدتها «Legal Templates»، فقد بلغت ذروة الانفصال في أمريكا في 13 من أبريل، أي بعد ثلاثة أسابيع تقريباً من تنفيذ معظم الولايات لأوامر الإغلاق .
وفي بلجيكا ارتفعت معدلات الطلاق بنسبة 25% في شهر مايو من عام2020 مقارنة بالشهر نفسه من عام 2019 قبل جائحة كورنا، أما في المملكة العربية السعودية فقد ارتفعت حالات الطلاق من 134 حالة في شهر شعبان الماضي، مع بدء فرض حظر التجول، على خلفية انتشار فيروس كورونا إلى 4079 حالة في ذي القعدة، وفقاً لصحيفة الوئام الإلكترونية، و53% من إجمالي صكوك الطلاق خلال شهر ذي القعدة صدرت في منطقتي الرياض ومكة، وفقًا للبيانات الشهرية الصادرة عن وزارة العدل السعودية.
ولك أن تعلم أن ارتفاع حالات الطلاق، لم يكن ناتج فقط من الحجر المنزلي، ولكن للكثير من الأسباب من بينها الموارد المالية المتقلبة، والحالة النفسية السيئة بسبب الخوف من المرض، وزيادة معدلات البطالة المتزايدة، فأكثر من 11 الف سعودي تم فسخ عقود أعمالهم بموجب المادة 80 من نظام العمل، ليصل إجمالي عدد السعوديين ممن تركوا عملهم خلال الربع الثاني من العام الماضي 116 ألف عامل وعاملة بسبب جائحة كورونا وفقًا لتقرير الهيئة السعودية للإحصاء، أما تأثير أزمة كورونا على البطالة في أمريكا، فكان كارثياً بمعنى الكلمة، حيث فقد حوالي 39 مليون امريكي عملهم بسبب الجائحة وفقاً لإسكاي نيوز.
زيادة حالات العنف الأسري والطلاق بسبب جائحة كورونا أدى لإعراب منظمة الصحة العالمية عن انزعاجها من تزايد العنف المنزلي مع أزمة كورونا على لسان رئيس مكتب منظمة الصحة العالمية في أوروبا، هانز كلوغ، قائلاً:"منظمة الصحة العالمية "منزعجة للغاية" من تزايد العنف المنزلي ضد النساء أثناء تفشي فيروس كورونا الجديد...وإذا استمرت عمليات الإغلاق، فإننا نتوقع 31 مليون حالة إضافية من العنف القائم على نوع الجنس على مستوى العالم".
لم يقتصر الأمر على تحذير منظمة الصحة العالمية من العنف الأسري ، بل خرج علينا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ودعا فيه الحكومات إلى "وضع سلامة النساء أولاً في استجابتها للوباء"، بعدما كشف تقريراً صادراً عن الأمم المتحدة حول العنف الأسري، بأن نحو 243 مليون امرأة وفتاة تعرضن لأشكال من العنف الأسري والتحرش الجنسي والإساءة خلال الشهور الاثني عشر الماضية.
الأمر ليس سيئاً في المطلق، فقد ساهم فيروس في تراجع مذهل لمعدل الجريمة في العالم، وفق تقرير لوكالة "يورونيوز"، فعلى سبيل المثال شهدت مدينة شيكاغو، التي تصنف على أنها إحدى أكثر المدن عنفا في الولايات المتحدة، تراجعًا في عمليات ضبط المخدرات بنسبة 42% خلال الأسابيع التي تلت إغلاق المدينة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفي أمريكا اللاتينية، انخفضت معدلات الجريمة إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود، أما في جنوب أفريقيا، فقد أعلنت الشرطة انخفاض مذهل للجرائم خلال الأسبوع الأول من إجراءات الإغلاق، وانخفضت حالات الاغتصاب من 700 إلى 101 جريمة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وتراجعت حالات الاعتداء الجسدية من 2673 إلى 456 وجرائم القتل من 326 إلى 94 جريمة، وهذا ينطبق على الكثير من دول العالم وفق تقرير لوكالة "يورونيوز".
وأخيراً وليس آخراً، فما أريد ايصاله للقارئ هو أن الأرقام لا تكذب ولا تتجمل، فمعدلات الجريمة شهدت انخفاضاً نتيجة حظر التجوال، نتيجة فراغ الشوارع من البشر، وفي نفس الوقت شهدت البيوت ازدحاماً بأصحابها جراء الحجر، مما زاد من العنف الأسري وحالات الطلاق، لذلك فإن حديث البعض بأن أزمة كورونا أدت لتقليل معدلات العنف فهو أمر خاطئ، ولكن الصحيح فإن أزمة كورونا أدت لانتقال العنف من الشارع إلى المنزل، وهذا أمر في حاجة إلى الدراسة والتوعية لتقليل مخاطره ، خاصة أن الأسرة هي نواة المجتمع.
بقلم :أ.د محمد احمد بصنوي