احدث تجليات فيروس كورونا"
تعد أزمة كورونا نقطة فاصلة في تاريخ العالم أجمع ، لما قامت به من تغيير في حياة المواطنين في مختلف دول العالم، فعلى سبيل المثال لا الحصرشهدت الفترة الأخيرة التوجه بقوة نحو التحول الرقمي في تقديم كافة الخدمات، خاصة الخدمات المالية عبر الهاتف، حرصا من الدول على منعانتشار فيروس كورونا، بعدما أشارت منظمة الصحة العالمية من أن أوراق البنكنوت قد تكون ناقلة للفيروس، وبأن الأفضل اعتماد وسائل الدفعالالكتروني أو "اللا تلامسية" فاتجهت الكثير من الدول إلى تبني مزيد من الإجراءات، للحد من هذه النوعية من المعاملات، في مقابل التوسع فيالمعاملات غير النقدية.
التوجه نحو المعاملات المالية الالكترونية في العالم لمنع انتقال فيروس كورونا كان متباينًا، فبعض الدول قامت بتعقيم الأموال لدى وصولها إلى البنوك،وبعض المتاجر والمولات رفضت الحصول على أي اموال بشكل نقدي، وقصر التعاملات على المعاملات الالكترونية، ففي أستراليا وضعت المتاجروالمولات ومحطات الوقود اللافتات التي تعلن عدم قبولها للنقد، مع زيادة الحد المسموح به للمعاملات المالية الرقمية من خلال الهاتف المحمول، دونالحاجة لإدخال رقم سري ليرتفع من 100 لـ 250 دولارا لكل معاملة، أما في الصين فقام البنك المركزي الصيني بتعقيم الأوراق النقدية قبل إتاحتهاللجمهور باستخدام الأشعة فوق البنفسجية والحرارة، ثم الاحتفاظ بها لمدة 14 يوما قبل إمكان طرحها.
أما في بلادنا العزيزة، فلم تكن إجراءاتها نحو التوسع في التعاملات المالية الالكترونية ردة فعل لأزمة كورونا، بل كانت هناك خطة واضحة المعالم،لرفع معدل التعاملات المالية الرقمية، والتقليل من استخدام النقد الورقي، والتحول إلى مجتمع غير نقدي، وتستهدف هذه الخطة زيادة نسبةالمدفوعات غير النقدية إلى 70% من إجمالي عمليات الدفع النقدي في اطار تنفيذ رؤية المملكة 2030 ، وبذلك كانت المملكة سباقة في التوجه نحو المعاملات المالية الالكترونية، ولم تفعل أزمة كورونا شيئًا من العدم، صحيح انها كانت حافزًا للتسريع من وتيرة التحول، ولكنها لم تخلق شئيًا من العدممثلما حدث في الكثير من الدول.
التحول الرقمي في الخدمات المالية لا يساهم فقط في تقليل انتشار عدوى فيروس كورونا، بل له الكثير من الفوائد الاقتصادية الناتجة منها توفيرتكلفة طبع النقود، خاصة إذا علمت بأن تكلفة طباعة النقود الورقية الجديدة في عام 2020 وصل لـ 877.2 مليون دولار في الولايات المتحدة فقط،حيث تبلغ تكلفة طباعة ورقة فئة دولار واحد 7.7 سنت، وفئة 50 دولارا تكلفة طباعتها 16.1 سنتا، بينما تكلفة طباعة الورقة النقدية فئة المئة دولار هي19.6 سنتا، حسب منشور الفيدرالي الأميركي للعام 2020، وتقوم دول الاتحاد الأوروبي بتقسيم تكلفة الطباعة بين الدول الأعضاء، وذلك حسب نسبةالإصدار من القيمة الكلية للطباعة لكل دولة، وتعود تكلفة طباعة النقود إلى أن عملية الطباعة في حاجة إلى مواد خاصة وعلامات تأمينية وحماية منعًاللتزوير.
ليس هذا فقط ، بل يساهم التحول الرقمي في تخفيف حدة الفقر من خلال تمكين الأفراد من الادخار، والإدارة المالية السليمة، وانتشار التحولالرقمي في الدول، ليس له علاقة بتقدم الدولة مثلما يعتقد الكثير، فعلى سبيل المثال استخدام الهواتف الذكية في المعاملات المالية منخفضا فيالولايات المتحدة الأميركية حيث لا يتجاوز الـ10 % من عدد السكان، بينما الخدمات المالية عبر الهاتف في كينيا عبر تطبيق "إم بيسا"،
لكن لا تزال إفريقيا تفتقر للخدمات المالية بنسبة 66 في المئة بين البالغين، فهم بلا حسابات مصرفية، أما في دول أوروبا الغربية فقد بلغت 97 %،بينما تجاوزت 99% في كندا. بحسب تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وأخيرًا وليس آخرًا، فأن التوجه نحو المعاملات الالكترونية لم يكن نتيجة أزمة كورونا، ولكن هذه الأزمة اعطت دافعًا قويًا نحو التحول الرقمي، وهذاالأمر هام جدًا ويجب تشجيعه، لأن التحول الرقمي يلعب دورًا كبيرًا في التنمية الاقتصادية، خلاف أنه يساهم في منع أو على الاقل يقلل معدلانتشار الجرائم مثل غسيل الأموال، والفساد، وتمويل الإرهاب، والتهرب الضريبي، وخلافه، فكيف تحدث مثل هذه الجرائم إذا وصلنا إلى نسبةمتقدمة في المعاملات الالكترونية المالية، فكل الاموال ستكون مرصودة من الدولة، من أين أتت، وإلى أين ذهبت؟.
بقلم: أ.د محمد احمد بصنوي