حسناً فعلت هيئة كبار العلماء عندما أصدرت بيانها مؤخراً حول وجوب لزوم الجماعة والنهي عن التفرق و التشرذم، و رغم أن لزوم الجماعة من الأصول العظيمة للدين الإسلامي إلا أن الأمة قد ابتليت في هذا العصر بجماعات تحث على التفرق و تحرض على ولاة الأمر مما ينتج عنه الفوضى و الدمار و خراب الأوطان. و لا شك أن النصوص الشرعية في التأكيد على وجوب لزوم الجماعة كثيرة جداً ففي محكم التنزيل يقول المولى عز و جل: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا، وَلاَ تَفَرَّقُواْ ﴾ ]آل عمران: 103[. و قد أسهب المفسرون قديماً و حديثاً في بيان المعاني الجليلة لهذه الآية الكريمة حيث ذكر ابن جرير- رحمه الله - في تفسير هذه الآية: (يريد بذلك تعالى ذِكره: وتمسكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عهده إليكم في كتابه؛ من الألفة، والاجتماع على كلمة الحق، والتسليم لأمر الله). وقال الشوكاني - رحمه الله (الحبلُ: لفظٌ مشترك، وأصله في اللغة: السبب الذي يُتوصَّل به إلى البُغية، وهو إمَّا تمثيل، أو استعارة. أمرهم سبحانه بأنْ يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام، أو بالقرآن، ونهاهم عن التفرق، الناشئ عن الاختلاف في الدين).
و قد شدّد المصطفى صلى الله عليه و سلم على أهمية لزوم الجماعة فمن أقواله عليه الصلاة و السلام: " من فارق الجماعة شبرا، خلع ربقة الإسلام من عنقه" و قد وعى الصحابة الكرام معاني هذه الآية العظيمة و غيرها من النصوص الشرعية فإن الاعتصام بالقرآن، والإخلاص لله وحده، والتمسك بالإسلام الصحيح الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلها مما ينتج عنه تآلف المسلمين واجتماعهم وترابطهم وترابطهم وتماسك مجتمعهم، فعن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: تَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبِنَاءِ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ عُمَرُ: «يَا مَعْشَرَ الْعُرَيْبِ، الْأَرْضَ الْأَرْضَ، إِنَّهُ لَا إِسْلَامَ إِلَّا بِجَمَاعَةٍ، وَلَا جَمَاعَةَ إِلَّا بِإِمَارَةٍ، وَلَا إِمَارَةَ إِلَّا بِطَاعَةٍ « ورحم الله ابن المبارك حيث قال:
إن الجماعة حبل الله فاعتصموامنه بعروته الوثقى لمن دانا
و قد تجلت مظاهر التمسك بوحدة الصف و الإبتعاد عن الفرقة في مواقف شتى من تاريخنا الإسلامي المجيد فإذا نظرنا إلى سيرة سلفنا الصالح في هذا الموضوع نجد الكثير من النماذج الرائعة من الصحابة و التابعين والعلماء الأعلام حيث كانت لهم مواقف عظيمة في رد أهل البدع والمخالفين لأهل السنة إلى الحق فقد ذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى الخوارج في عقر دارهم، وناظرهم، و رد على شبهاتهم، و اهتدى على يديه منهم خلق كثير و لم يبق على بدعتهم إلا القليل فقط لسيطرة أهوائهم عليهم.
و في عصرنا الحديث ظهرت علينا جماعات و أحزاب سياسية تدعي التدين و ترفع الشعارات البراقة و تخدع الشباب و هدفها الرئيس في واقع الأمر هو الوصول إلى السلطة و السيطرة على مقدرات البلاد و التحكم في مصائر العباد من دون مبالاة بما قد يحدث من تدهور وخراب للبلد و لذلك يجب على الجميع الحذر من هذه الدعوات المشبوهة و التمسك بكتاب الله عز و جل و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم و لزوم الجماعة و طاعة ولي الأمر فهذه البلاد تمثل النموذج الأمثل للدين الإسلامي الحنيف من حيث الوسطية السمحة و البعد عن الغلو و التشدد. اللهم احفظنا لنا ديننا و بلادنا و ولاة أمرنا من كل سوء و مكروه وأدم علينا نعمة الأمن و الإيمان و الرخاء.